تخيل أنك تتحادث مع روبوت محادثة يستخدم الذكاء الاصطناعي وتخرج من تلك المحادثة برأي سياسي مختلف تمامًا عما كنت تؤمن به قبل قليل، يعد هذا الأمر غرائب الخيال العلمي لكنه واقع ملموس، حيث تكشف الأبحاث الحديثة أن نماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر فعالية في الإقناع، وهي قادرة على التأثير على الآراء السياسية بشكل يفوق تأثير البشر، لذا تعمل هذه النماذج على تقديم حقائق ووجهات نظر مصممة خصيصًا لكل فرد، مما يجعلها قادرة على توجيه الآراء بكفاءة.
أشارت دراسة أجراها معهد أمن الذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة بالتعاون مع معاهد مرموقة مثل أكسفورد وماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى أن نماذج متقدمة مثل GPT-4 وLlama 3 وGrok 3 لديها القدرة على تغيير الآراء السياسية في محادثات قصيرة لا تتجاوز بضع دقائق، وذلك من خلال إقناع المشاركين برؤى وسياسات جديدة تتعلق بقضايا مثيرة للجدل، ويظهر ذلك مدى قوة تأثير التكنولوجيا على التفكير الإنساني.
لم تكن التغيرات الناتجة عن هذه المحادثات عابرة، حيث احتفظ العديد من المشاركين بآرائهم الجديدة حتى بعد مرور شهر، وقد قام الباحثون بتحسين هذه الأسباب باستخدام بيانات من محادثات تتعلق بقضايا معالجة معقدة مثل الرعاية الصحية وسياسات اللجوء، مما يُظهر أن الأساليب المستخدمة تساهم بشكل كبير في زيادة القدرة الإقناعية.
من خلال تخصيص الردود وجعلها ملائمة لاحتياجات المتلقي، مثل الإشارة إلى ملامح شخصية معينة أو توجهات سياسية، أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر إقناعًا بشكل ملحوظ، فقد أظهرت الدراسات أن ذلك يرفع من فعالية الإقناع بنحو خمسة في المئة، وهذا رقم هام في سياق التأثير على تحول الآراء وبالتالي على الرأي العام.
صحيح أن زيادة 5% قد لا تبدو كبيرة، إلا أن لها تأثيرات عميقة في المجال السياسي، إذ تدفع الحملات السياسية ملايين الدولارات من أجل تغيير طفيف في مشاعر الناخبين، وبالتالي القدرة على تحقيق هذا التحول السريع وعبر نطاق واسع يُعتبر شيئًا مثيرًا للدهشة وفي ذات الوقت يشير إلى مخاطر كبيرة في توجيه الرأي العام.
تظهر الدراسة كذلك أن استخدام الذكاء الاصطناعي للإقناع يتجاوز السياسة، حيث أظهرت أبحاث سابقة إمكانية تأثيره في تقليص الإيمان بنظريات المؤامرة أو التشكيك في التغير المناخي من خلال محادثات موجهة، ورغم أن هذه النماذج يمكن أن تُستخدم لأغراض إيجابية، فإنها تعزز القلق من استخدام القدرات الإقناعية في نشر المعلومات المضللة وإدخال أيديولوجيات سلبية.
تتسع قوة الذكاء الاصطناعي الإقناعية لتشمل أيضًا المجالات التجارية، كما أكد ديفيد راند من جامعة كورنيل، فتستطيع روبوتات الدردشة التأثير على قرارات الشراء والتصورات المتعلقة بالعلامات التجارية، مع سعي شركات التكنولوجيا الكبرى como OpenAI إلى دمج التقنية في الإعلانات وميزات التسوق، ما يجعل هذا التأثير مصدر دخل محتمل حتى لو كان غير أخلاقي.
إن التحدي لا يكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على الإقناع فحسب، بل في كيفية استخدام هذه القدرة مع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي الأحدث، لذا سيكون من الضروري وضع لوائح وضمانات واضحة، بالإضافة إلى تعزيز الوعي العام حول هذه التقنيات، وهو ما قد يجبر الأفراد على التفكير مليًا قبل تصديق ما يقال لهم عن طريق الأنظمة الذكية.