تعيش أروقة الكرة السعودية على صفيح ساخن بعد تفجّر أزمة «اللاعبين الأجانب المواليد»، التي باتت تهدد استقرار دوري روشن السعودي، خاصة بين قطبي العاصمة الرياض، الهلال وجاره اللدود النصر.
أزمة «اللاعبين الأجانب المواليد» تحولت إلى قضية رأي عام رياضي تهدد تماسك المنظومة وتفتح بابًا واسعًا للجدل حول العدالة والتوازن بين الأندية، فالبعض منها يبحث عن «مرونة في النظام» وأخرى ترى في أي تعديل منتصف الموسم أو بشكل مفاجئ «تلاعبًا بالنزاهة».
تم اعتماد فئة «اللاعبين الأجانب المواليد» في الكرة السعودية عام 2023، كجزء من خطة لرفع جودة المواهب في الدوري ومنح الأندية حرية أكبر في استقطاب لاعبين شباب دون المساس بعدد الأجانب المسموح بهم (8 لاعبين في القائمة الأساسية).
ويسمح للأندية بتسجيل لاعبين أجانب تحت سن 21 عامًا في خانة «المواليد»، بحيث لا يحسبون ضمن حصة الأجانب الثمانية، ما يمنح الأندية مساحة لتطوير المواهب والاستثمار فيها على المدى الطويل.
لكن هذه الفئة قد تتحول من أداة تطوير إلى ثغرة تنظيمية مثيرة للجدل، بعد تجاوز بعض اللاعبين السن القانونية ورغبة بعض الأندية في بقائهم مسجلين في فئة المواليد.
بدأت القصة عندما تخطى البرازيلي ماركوس ليوناردو، مهاجم الهلال، السن القانونية لفئة المواليد (21 عامًا)، ما أجبر النادي الأزرق على قيده ضمن قائمة الأجانب الثمانية، بعدما كان مسجلاً في فئة المواليد منذ صيف 2024.
هذا الموقف أربك حسابات الهلال ووضعه أمام معضلة في التوازن بين نجومه الكبار، إذ تضم قائمته أسماء بارزة مثل جواو كانسيلو وداروين نونيز، مما يعني أن بقاء ليوناردو كلاعب أجنبي جديد سيجبر الإدارة على استبعاد أحدهم في الميركاتو الشتوي.
في بداية الموسم الحالي 2025-2026، رفع الهلال اسم ماركوس ليوناردو من قائمته المحلية قبل أن تتم إعادة تسجيله مجدداً في أعقاب إصابة لاعب الفريق جواو كانسيلو، حيث تم استبعاد الظهير البرتغالي من القائمة المحلية ليشارك فقط في المنافسات الآسيوية بعد عودته من الإصابة.
النادي الأزرق بدأ في التحرك في الكواليس لتعديل لوائح اتحاد كرة القدم للسماح باستمرار تسجيل اللاعبين المواليد حتى بعد تجاوزهم السن المحددة، وهو ما رفضه النصر بشدة معتبرًا أن هذا التعديل بشكل مفاجئ يخل بمبدأ تكافؤ الفرص.
وشكل الهلال ومعه 12 ناديًا آخر تكتلًا مؤيدًا لتعديل اللائحة، مقابل 6 أندية بقيادة النصر والاتحاد، رفضت التغيير.
لكن الموقف الأشد حدة جاء من نادي النصر، الذي أصدر بيانًا رسميًا اتهم فيه اتحاد الكرة بالتفكير في تعديل القوانين «بضغط من جهة محددة»، معتبرًا أن ذلك يهدد نزاهة المنافسة أمام العالم.
وقال النصر في بيانه الرسمي: «تغيير القوانين أثناء الموسم يضر بمصداقية الدوري ويخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص. الأندية التي تحترم القوانين لا يجب أن تُعاقب بقرارات ارتجالية».
النصر أكد أنه قام ببناء تعاقداته واستراتيجياته الفنية للمستقبل بناءً على اللوائح المعلنة، وأن أي تغيير مفاجئ سيعتبر «تجاوزًا غير قانوني»، ملوّحًا بالتصعيد إلى الجهات الرياضية العليا.
بدوره، أبدى نادي الاتحاد موافقة مبدئيًا على رفع عدد الأجانب في قائمة المباراة الواحدة إلى عشرة، لكنه رفض استمرار تسجيل المواليد الذين تجاوزوا السن القانونية.
ويرى الاتحاد أن هذا التعديل سيخلق فوضى في السوق الشتوية ويمنح أندية محددة أفضلية على حساب أخرى لم تخطط لنفس الظروف.
لكن الاتحاد أبدى استعدادًا لتغيير موقفه إذا تم طرح مقترح عادل يخدم الجميع، ما يعكس رغبة في الحفاظ على الاستقرار دون غلق باب الحوار.
وسط تصاعد الأصوات وتبادل الاتهامات، خرج مصدر من داخل اتحاد كرة القدم ليؤكد أنه لا نية لتعديل بند المواليد خلال الموسم الحالي 2025-2026، مشيراً أن الورشة التي عُقدت مؤخراً مع الأندية جاءت لمناقشة لائحة الاحتراف بشكل عام، ضمن خطة لتحديث الأنظمة استعدادًا للموسم المقبل 2026-2027، نافياً أن تكون هناك نية لتغيير النظام في منتصف الموسم.
اتحاد الكرة شدد أن القرارات في هذا الشأن لا تتخذ بالتصويت، بل بعد دراسة فنية دقيقة للأثر القانوني والرياضي لأي تعديل، مؤكدًا أن الاتحاد ملتزم بمبدأ الشفافية والعدالة.
الجدل حول تعديل لائحة المواليد ليس جديدًا، إذ سبق أن طرحت لجنة الاحتراف مقترحًا لتغيير النظام قبل إغلاق فترة الانتقالات الصيفية 2024، لكن أغلب الأندية حينها فضلت الاستقرار التنظيمي، معتبرة أن أي تعديل متأخر قد يخل بعدالة المنافسة.
رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل حاول تهدئة الأجواء بتصريحات متوازنة، فقال: «جميع الأندية كانت على علم بنظام المواليد منذ أكثر من عام، وإذا تبين وجود ضرر على بعض الأندية فالاتحاد مستعد لدراسة النظام وتعديله في الوقت المناسب».
وأكد المسحل أن نظام المواليد تحت المراجعة حاليًا، وأن أي قرار جديد لن يتخذ إلا بالتوافق وبما يخدم المصلحة العامة.
هذه التصريحات فسرت على نطاق واسع بأنها محاولة لتجميد الأزمة مؤقتًا حتى نهاية الموسم، دون إغلاق الباب أمام تعديل محتمل لاحقًا.
خبراء القانون الرياضي يؤكدون أن أي تغيير في الأنظمة بعد اعتمادها دون موافقة جميع الأندية يعد تجاوزًا خطيرًا، وأن التعديل يجب أن يعلن قبل انطلاق الموسم على أن يطبق في الموسم التالي، لضمان العدالة وتفادي تضارب المصالح والأضرار.
في حال قرر اتحاد الكرة تعديل لائحة المواليد خلال فترة الانتقالات الشتوية، فقد تواجه الأندية تحديات في تكييف قوائمها، خصوصًا تلك التي تخطط لموسم طويل ومزدحم بالمشاركات القارية.
كما أن أي قرار مفاجئ سيضع الاتحاد أمام اختبار مصداقية أمام الرأي العام الدولي، خاصة مع ازدياد الاهتمام العالمي بدوري روشن بعد التعاقدات الكبرى الأخيرة.
وراء الجدل التنظيمي، يقرأ البعض الأزمة بوصفها صراع نفوذ بين الكبار أكثر من كونها قضية لوائح.
فالهلال الذي يمتلك قوة جماهيرية وإدارية هائلة يسعى للاستفادة من مرونة النظام لضمان استمرارية نجومه الشباب، بينما يرى النصر أن هذه المرونة موجهة لخدمة النادي الأزرق، ما يجعله يتمسك بمبدأ الصرامة في تطبيق القوانين.
القرار المنتظر في يناير المقبل لن يكون مجرد مسألة إدارية، بل اختبارًا لمدى استقلالية الاتحاد السعودي لكرة القدم وقدرته على إدارة مصالح الأندية ضمن إطار من العدالة والمهنية.
فالرياضة السعودية التي أصبحت واجهة عالمية لمشاريع التميز الرياضي، لا تحتمل قرارات ارتجالية.





