لم يتمكن أي سيناريست في عالم الفن من تقديم أعمال نجيب محفوظ الروائية كما فعل الكاتب الكبير الراحل محسن زايد الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده حيث وُلد في 23 أغسطس 1944 ورحل في 27 يناير 2003 وكان من أبرز من استوعبوا أدب محفوظ وتمتع بموهبة كبيرة في صياغته ضمن الشكل التليفزيوني والسينمائي فقد أجاد فهم أبعاد الشخصيات ودخول أعماقها بينما نجد أن بعض الأعمال الأخرى تقتصر فقط على القشرة الخارجية للعمل وتغفل أي محتوى فلسفي أو أدبي عميق.
قدم زايد العديد من الأعمال المقتبسة عن محفوظ وكان من أبرزها مسلسل “الحرافيش” الذي تم إنتاجه في عام 1998 حيث تولى بطولته نور الشريف في الجزء الأول وهشام سليم في الجزء الثاني ورغم تحضيرات المسلسل المبكرة فإن السيناريو واجه مشاكل عدة قبل أن يرى النور ليشكل نقلة نوعية في الدراما المصرية ويتناول صراع الشخصيات بشكل نفسي عميق وليس سطحيا كما جاء في بعض الأعمال.
كان العمل في البداية من نصيب المخرج الكبير محمد فاضل الذي كان يحمل سيرة فنية مشهورة قبل بداية العمل على المسلسل ثم انتقل الأمر في النهاية إلى المخرج وائل عبد الله ورغم مشكلات الإنتاج والتشويش الذي عانى منه السيناريو إلا أن العمل اكتمل وتم تصويره في مدينة 6 أكتوبر وبخاصة أن فاضل كان يعول عليه الكثير من النجاحات في تصويره بسبب أعماله السابقة.
رغم جميع العقبات فإن المسلسل نجح حيث أسندت أدواره الكبرى إلى ممثلين بارزين وقد ارتبط اسم نور الشريف بأدب نجيب محفوظ بشكل كبير ويظهر ذلك من خلال تحضيره للشخصية قبل عشر سنوات من بدء التصوير والتي شكلت جزءًا من شغفه العميق بأدب محفوظ مما أكسبه خبرة كبيرة في التفاعل مع دور عاشور الناجي.
شاركت نور الشريف أعمال أخرى من روايات محفوظ حيث كان له دور في الجزء الثالث من الثلاثية السينمائية مثل “قصر الشوق” و”السكرية” وقد رسخ الشريف مكانته لدى الجمهور من خلال الأدوار التي جسدها من خلال شخصيات مأخوذة من روايات محفوظ والتي ساهمت في تشكيل مسيرته الفنية الثرية.
في نهاية المطاف تبقى تجربة مسلسل “الحرافيش” بالتعاون بين نور الشريف ومحسن زايد واحدة من أهم الأعمال التي استطاعت تقديم الروح الحقيقية للرواية الأصلية رغم كل التحديات التي واجهت العمل الذي يظل في ذاكرة الدراما المصرية كواحد من الأعمال القليلة التي فهمت لُب الرواية المنقول منها الأحداث.
